ثلاث كلمات تحدد هوية الوطن- "يليق، نعتمده، مناسب"
المؤلف: فراس طرابلسي08.22.2025

إن التدقيق في مظاهر التغيرات الجذرية التي تشهدها الإدارة السعودية اليوم، يتجاوز مجرد التحديثات الإجرائية أو التحسينات التقنية؛ بل يمثل تحولاً عميقاً في صميم عملية صنع القرار، وفي جوهر العلاقة المتينة التي تربط القيادة العليا بالقيادات التنفيذية، وكذلك في تجسيد الهوية الوطنية في كل مشروع، وإضفاء لمسة من الذوق الرفيع على كل اختيار يتم اتخاذه.
هذا التحول الملحوظ لا يمكن قياسه فقط من خلال المشاريع الضخمة فحسب، ولا يقتصر على المؤشرات الاقتصادية أو البنية التحتية المتطورة، بل يتجلى أحياناً في لحظات عابرة، في سياق محادثة عفوية، أو كلمة مُلهمة، أو حتى إيماءة معبرة. وهذا بالتحديد ما يجعل من الرسالة الخاصة التي استعرضها مؤخراً أمير منطقة عسير، الأمير تركي بن طلال، والتي دارت بينه وبين ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، وثيقة رمزية مكثفة تختزل التغيرات العميقة التي طرأت على أركان الدولة.
قد يبدو ظاهر هذه المحادثة بسيطاً للوهلة الأولى: عرض لتصميم مشروع معين، وتعليق من القائد المُلهم، ورد من المسؤول التنفيذي. لكن ما يكمن وراء ذلك هو بناء فكري جديد كلياً، يقودنا إلى طرح سؤال جوهري ومحوري: كيف تتعامل الدولة السعودية الحديثة مع عملية اتخاذ القرارات؟ وما هو المعنى الحقيقي الذي تحمله كلمات مقتضبة مثل: «يليق»، «مناسب»، «نعتمده»... حينما تصدر من رأس الدولة أو من الشخص الذي ينفذ أوامره وتوجيهاته؟
قبل أن تنطلق الكلمات، كانت الصورة حاضرة بقوة. فالصورة التي عُرضت على ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، خلال المحادثة، كانت عبارة عن الشعار الرسمي للمملكة العربية السعودية، وهو السيفان والنخلة. لم تكن هناك صورة شخصية، أو مناسبة إعلامية معينة، أو رمز شخصي خاص. بل كان رمز الدولة هو الحاضر الأبرز. وهذه ليست مجرد صدفة عابرة، بل هي تعبير رمزي عميق عن قائد مُلهم اختار أن يكون تمثيله امتداداً للدولة وهويتها، لا تجسيداً لذاته وفرادته. قائد استأصل مفهوم التمحور حول الذات، وآثر أن تكون صورته الأولى هي صورة المملكة العربية السعودية. فهو لا يحتاج إلى صورة شخصية تُعرّفه... لأن الراية شامخة تكفي وتغني.
عندما استعرض الأمير تركي التصاميم النهائية لمطار أبها الجديد، كانت أولى كلمات ولي العهد هي: «هذا مطار يليق بأبها». وهنا، نحن لا نتحدث عن مجاملة عابرة أو إطراء سطحي، بل عن تقدير عميق ومُتأصل للذوق الرفيع والسيادة الوطنية في آن واحد. فولي العهد لا يمتدح التصميم من منظور هندسي بحت، بل يربط بعمق بين المشروع وهوية المدينة وتراثها العريق. وكأنه يقول بلسان الحال: نحن لا نبتغي إنشاء مطار فحسب، بل نصبو إلى أن يكون هذا المطار امتداداً لكرامة أبها، ورمزاً لذوقها الرفيع، وتجسيداً لهويتها الثقافية الأصيلة. فكلمة «يليق» هنا ليست مجرد وصف عابر، بل هي معيار تنفيذي واضح ومحدد.
عندها، بادر الأمير تركي بن طلال بالرد قائلاً: «نعتمده طال عمرك». وهي جملة تحمل في طياتها فهماً دقيقاً لما تعنيه عبارة القائد، واستعداداً كاملاً وفورياً للانتقال من مرحلة التقييم والنظر إلى مرحلة التنفيذ الفعلي. فهو لم ينتظر توجيهاً إضافياً أو تعليمات مفصلة، بل التقط روح الرسالة العميقة، وأعاد صياغتها في شكل قرار إداري رسمي لا لبس فيه.
ثم تفضل الأمير محمد بن سلمان بكلمة واحدة فقط: «مناسب». وهي كلمة قصيرة للغاية ومقتضبة، قد لا تلفت الانتباه لدى عامة الناس، ولكنها في عقل الدولة الحديثة تعادل تماماً ختم الاعتماد والموافقة النهائية. ففي أنظمة الحكم التقليدية، غالباً ما تثقل القرارات بالكلمات الطويلة والعبارات المطولة. أما في الإدارة السيادية الناضجة والمحنكة، فتكفي كلمة واحدة فقط إذا صدرت من موقع السيادة والمسؤولية. و«مناسب»، في هذا السياق، ليست مجرد تعبير عن وجهة نظر أو رأي شخصي، بل هي إشارة واضحة ومباشرة إلى الاعتماد الرسمي، وفتح الأبواب على مصراعيها أمام البدء في التنفيذ الفعلي للمشروع.
إذا تأملنا تسلسل المحادثة بعمق وتدبر، فسنجد أننا أمام لحظة فريدة من نوعها تتجسد فيها الدولة بثلاث طبقات متكاملة: «يليق» = الإحساس العميق بالهوية والانتماء الأصيل. «نعتمده» = الترجمة التنفيذية السريعة والفورية. «مناسب» = الاعتماد السيادي الأخير والنهائي. وهذا هو النموذج الأمثل الذي تُبنى عليه الدول الذكية الطموحة: الحس المرهف يسبق الحسابات المعقدة، والكلمة الموجزة تغني عن الملفات المتراكمة، والثقة المتبادلة تحل محل الشروحات المطولة.
ليست كل وثيقة ضرورية أن تُكتب بالحبر والأقلام. فبعض الوثائق تُقال عبر الهاتف في لحظات عابرة، وتُفهم بالعقل والمنطق السليم، وتُبنى على الثقة الراسخة. هذه هي الدولة التي يرسم ملامحها ولي العهد بحكمة واقتدار: دولة لا تُكثر من الضجيج والصخب، ولكن كل كلمة فيها تُحسب بدقة وعناية... وكل «مناسب» فيها يُحرّك آلة ضخمة وكاملة من العمل الصامت الدؤوب. وهكذا، في ثلاث جمل موجزة ومختصرة، تجلّت هوية وطن شامخ... واكتملت حلقة القرار بكل سلاسة ويسر.
هذا التحول الملحوظ لا يمكن قياسه فقط من خلال المشاريع الضخمة فحسب، ولا يقتصر على المؤشرات الاقتصادية أو البنية التحتية المتطورة، بل يتجلى أحياناً في لحظات عابرة، في سياق محادثة عفوية، أو كلمة مُلهمة، أو حتى إيماءة معبرة. وهذا بالتحديد ما يجعل من الرسالة الخاصة التي استعرضها مؤخراً أمير منطقة عسير، الأمير تركي بن طلال، والتي دارت بينه وبين ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، وثيقة رمزية مكثفة تختزل التغيرات العميقة التي طرأت على أركان الدولة.
قد يبدو ظاهر هذه المحادثة بسيطاً للوهلة الأولى: عرض لتصميم مشروع معين، وتعليق من القائد المُلهم، ورد من المسؤول التنفيذي. لكن ما يكمن وراء ذلك هو بناء فكري جديد كلياً، يقودنا إلى طرح سؤال جوهري ومحوري: كيف تتعامل الدولة السعودية الحديثة مع عملية اتخاذ القرارات؟ وما هو المعنى الحقيقي الذي تحمله كلمات مقتضبة مثل: «يليق»، «مناسب»، «نعتمده»... حينما تصدر من رأس الدولة أو من الشخص الذي ينفذ أوامره وتوجيهاته؟
قبل أن تنطلق الكلمات، كانت الصورة حاضرة بقوة. فالصورة التي عُرضت على ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، خلال المحادثة، كانت عبارة عن الشعار الرسمي للمملكة العربية السعودية، وهو السيفان والنخلة. لم تكن هناك صورة شخصية، أو مناسبة إعلامية معينة، أو رمز شخصي خاص. بل كان رمز الدولة هو الحاضر الأبرز. وهذه ليست مجرد صدفة عابرة، بل هي تعبير رمزي عميق عن قائد مُلهم اختار أن يكون تمثيله امتداداً للدولة وهويتها، لا تجسيداً لذاته وفرادته. قائد استأصل مفهوم التمحور حول الذات، وآثر أن تكون صورته الأولى هي صورة المملكة العربية السعودية. فهو لا يحتاج إلى صورة شخصية تُعرّفه... لأن الراية شامخة تكفي وتغني.
عندما استعرض الأمير تركي التصاميم النهائية لمطار أبها الجديد، كانت أولى كلمات ولي العهد هي: «هذا مطار يليق بأبها». وهنا، نحن لا نتحدث عن مجاملة عابرة أو إطراء سطحي، بل عن تقدير عميق ومُتأصل للذوق الرفيع والسيادة الوطنية في آن واحد. فولي العهد لا يمتدح التصميم من منظور هندسي بحت، بل يربط بعمق بين المشروع وهوية المدينة وتراثها العريق. وكأنه يقول بلسان الحال: نحن لا نبتغي إنشاء مطار فحسب، بل نصبو إلى أن يكون هذا المطار امتداداً لكرامة أبها، ورمزاً لذوقها الرفيع، وتجسيداً لهويتها الثقافية الأصيلة. فكلمة «يليق» هنا ليست مجرد وصف عابر، بل هي معيار تنفيذي واضح ومحدد.
عندها، بادر الأمير تركي بن طلال بالرد قائلاً: «نعتمده طال عمرك». وهي جملة تحمل في طياتها فهماً دقيقاً لما تعنيه عبارة القائد، واستعداداً كاملاً وفورياً للانتقال من مرحلة التقييم والنظر إلى مرحلة التنفيذ الفعلي. فهو لم ينتظر توجيهاً إضافياً أو تعليمات مفصلة، بل التقط روح الرسالة العميقة، وأعاد صياغتها في شكل قرار إداري رسمي لا لبس فيه.
ثم تفضل الأمير محمد بن سلمان بكلمة واحدة فقط: «مناسب». وهي كلمة قصيرة للغاية ومقتضبة، قد لا تلفت الانتباه لدى عامة الناس، ولكنها في عقل الدولة الحديثة تعادل تماماً ختم الاعتماد والموافقة النهائية. ففي أنظمة الحكم التقليدية، غالباً ما تثقل القرارات بالكلمات الطويلة والعبارات المطولة. أما في الإدارة السيادية الناضجة والمحنكة، فتكفي كلمة واحدة فقط إذا صدرت من موقع السيادة والمسؤولية. و«مناسب»، في هذا السياق، ليست مجرد تعبير عن وجهة نظر أو رأي شخصي، بل هي إشارة واضحة ومباشرة إلى الاعتماد الرسمي، وفتح الأبواب على مصراعيها أمام البدء في التنفيذ الفعلي للمشروع.
إذا تأملنا تسلسل المحادثة بعمق وتدبر، فسنجد أننا أمام لحظة فريدة من نوعها تتجسد فيها الدولة بثلاث طبقات متكاملة: «يليق» = الإحساس العميق بالهوية والانتماء الأصيل. «نعتمده» = الترجمة التنفيذية السريعة والفورية. «مناسب» = الاعتماد السيادي الأخير والنهائي. وهذا هو النموذج الأمثل الذي تُبنى عليه الدول الذكية الطموحة: الحس المرهف يسبق الحسابات المعقدة، والكلمة الموجزة تغني عن الملفات المتراكمة، والثقة المتبادلة تحل محل الشروحات المطولة.
ليست كل وثيقة ضرورية أن تُكتب بالحبر والأقلام. فبعض الوثائق تُقال عبر الهاتف في لحظات عابرة، وتُفهم بالعقل والمنطق السليم، وتُبنى على الثقة الراسخة. هذه هي الدولة التي يرسم ملامحها ولي العهد بحكمة واقتدار: دولة لا تُكثر من الضجيج والصخب، ولكن كل كلمة فيها تُحسب بدقة وعناية... وكل «مناسب» فيها يُحرّك آلة ضخمة وكاملة من العمل الصامت الدؤوب. وهكذا، في ثلاث جمل موجزة ومختصرة، تجلّت هوية وطن شامخ... واكتملت حلقة القرار بكل سلاسة ويسر.